سأبدأ المقال الأخير بسؤال لا أريد له أن يمر: أين أوراق مبارك؟
ليس الغرض نبشًا فى الماضى/ إذ يكفينا أن مبارك تحوَّل إلى ماضٍ بعد أن كان جاثمًا على صدورنا 30 سنة/ كما أنه ليس انتقامًا من تمساح يبحث الآن عن بحيرته/ ويتسول صفقة بخروج أولاده/ بعد أن كانت الصفقة الأولى تتعلق بالزوجات.
الموضوع يتعلق بحق المجتمع فى عدم تكرار سرقته/ وهذا ما تفشل فيه القوانين الحالية/ وخبرات الجهات القضائية.
جريتا فينر، مديرة المركز الدولى لاسترداد الأموال المنهوبة/ التابع لمعهد «بازل» قالت لنا إن مركزها درب نحو 200 من أعضاء الهيئات القضائية والرقابية/ فى الدولة للتدريب على التعامل مع تقنيات «المال المهرَّب».
وإضافة إلى تعدد جهات التحقيق/ فإن المدربين السويسريين فوجئوا بصعوبة من نوع آخر فى التدريب، وهى الهيراركية.. كل جهة تسأل: لماذ نتدرب مع هؤلاء؟
وهذا يعنى ببساطة أن المؤسسات فى مصر لا تعرقل الحصول على الأموال فقط بسبب رفضها الإفصاح عن معلومات/ أو تعاملها مع ملف محاسبة المسؤولين عن الفساد بمنطق «عفا الله عما سلف» وهو ما يترجم عمليا فى إطار «الصفقات».
لم يسأل أحد: لماذا تكون هناك حسابات فى سويسرا باسم رئيس جمهورية مصر وكل عائلته وعائلات حاشيته المقربة (وقائمة الأموال المجمدة تشمل كل هؤلاء)؟
فى السؤال أول المنطق: سر هروب الأموال عن أعين الدولة/ لماذا كل هذه الحسابات فى الخارج (سويسرا وغيرها)؟.
هنا السر فى الشفافية/ أو محاولة «الحاكم وبطانته أو عصابته» الابتعاد بأمواله عن أعين الجهات الرقابية/ فهو فوق الرقابة/ ولا يدخل تحت سيفها إلا من يغضب عليها/ ساعتها تفتح المغاسل العمومية ويوضع الشخص المغضوب عليه لكى يستمر النظام/ العصابة سُمعتها نظيفة.
لم تتحرك مؤسسات الدولة فى مصر لتغيير تلك القواعد المعتمة فى الحكم/ ولا أُعيدَ تكوينُها لتحمى «مال الشعب»/ وهذا هو المخيف فى ملف مال مبارك الذى ينقصه معلومات مهمة تخص:
1- مسار الأموال: وكيف تمسك الخيط الرابط بين جريمة فساد والمال المخزون فى بنوك سويسرا وغيرها؟
2- الأيدى الرمادية: التى تحمل هذا المال القذر من مصر إلى حيث يرقد حاملًا أمانى الفاسدين فى استراحات طويلة على بحيرة الثروات المنهوبة.
وليس صعبًا اكتشافُ أن هناك «إرادة» مضادة لإزالة أستار العتمة على «الرجال الكبار» الذين يسرقون بالقانون/ويحمون الثروات القذرة بالنفوذ والأمر الواقع/ وجيش من الأيادى الرمادية المخترق لكل مؤسسات الدولة.
هذه الإرادة المضادة تقف ضد إعادة بناء الدولة/ حفاظًا على مساحات العتمة/ وتطلق غازاتها المسمومة لتغطى على هذه المنطقة بفرض اليأس: لن نستر المال../ إنت لسه فاكر/ لماذا تنبش فى القبور؟
النبش فى قضية مبارك سيكشف أن هناك من أخفى أوراقه وأوراق عصابته/ ليمنع العثور على الرابط بين أمواله فى سويسرا وغيرها وبين جرائم الفساد المالى والسياسى، وهذا مرة أخرى ليس انتقامًا/ ولكنه بحثٌ عن أرضية شفافة لاقتصاد جديد، لا يقوم على توزيع الحصص بحماية «الرأس الكبيرة».
لماذا أصبح هناك من يدافع عن الفاسد والمستبد/ وطارد الثورى والمدافع عن الحقوق والحريات؟
لماذا سويسرا وبريطانيا أكثر حرصًا على استعادة الأموال المنهوبة من بلاد «الربيع العربى»/ كما يسمون مصر وتونس وليبيا وسوريا؟
سويسرا تغيِّر قانونها، وبريطانيا أرسلت مستشارًا إقليميًّا إلى القاهرة معنيًّا باسترداد الأموال، كما أنها تتبنى مبادرة إنشاء «المنتدى العربى لاستعادة الأموال المنهوبة» الذى عقد اجتماعا خلال أكتوبر الماضى فى المغرب.
ولاحظ أن هذه دول رأسمالية/ أى أنها ليست فى صف تأميم الثروات الخاصة/ أو التضييق على حرية المال/ لكنها دول تحترم الشفافية/ وتدرك أنها أولى قواعد النظم الرأسمالية/ وتعرف أن هناك فرقا بين حرية الاقتصاد وحرية العصابات فى سرقة الشعوب.
بينما مصر تدخل بثِقل مؤسساتها وصراعاتها البيروقراطية/ واستعراض قدراتها الفاشلة/ إضافة إلى وقوعها فى أَسْر مندوبى العصابة الذين يعطلون السير إلى إعادة بناء دولة لا يسرق حاكمها الشعب وينام سعيدًا فى سريره وإذا طالب الشعب بمحاكمته واسترداد الثروة المنهوبة، يشعر أنه ضحية ويبكى من غدر الشعوب.
شاركنا رأيك وكن اول من يقوم بالتعليق :)[ 0 ]
إرسال تعليق