عزيزي حمدين، لعلك في الأيام الأخيرة قد قرأت الكثير من المقالات أو سمعت الكثير من الأقوال التي تخاطبك بعناوين مثل عنوان مقالي، وها هو دوري وقد حان.
أعترفلك أني أحب المشير عبد الفتاح السيسي هذه حقيقة، فعندما أتذكر المشير طنطاوي وهو يقول لنا أنه رفض أن يطلق الجيش النار علينا ، كان لسان حالي يقول له يا سيدي شكر الله سعيكم، ممنونين لفضلك واللهي . أما عندما قال مشير مصر، ومن قلبه، أنه ” ينقطع دراعنا قبل ما يتمد عليكو” فالأمر كان له في نفسي وقع آخر.
لقد نزلت 30 يونيو مع الناس وليس لدينا رهان على أحد سوى صدورنا وأذرعنا غير عالم سوى أن نظام الإخوان الفاشل يجب أن يذهب وأنه لا يجوز الرهان أو الاعتماد على أحد عالما أنه إذا بدأ نظامهم ينهار فعلا فسوف يسيل دمنا ونذبح لأن مليشياتهم ومطاويهم وسيوفهم ومسدساتهم سوف تغتال السلاح الوحيد اللي حيلتنا..السلمية.
ولا أخفيك سرا أنني شعرت بإحساس رائع وطائرات جيشنا العظيم تضلل علينا فوق الميدان في تلك الساعات الرائعة، شعرت أن مشير مصر قد”ضلل علينا” وحمانا ثم تدخل برجولة رائعة لينفذ لنا طلباتنا بعد أن حمانا منهم، وكيف لا أحبه إذن؟
تقول الكتب أن ذوي الخلفية العسكرية لا يجب أن يجلسوا في كراسي الحكم لأنهم متعودين على إصدار الأوامر ويضيق صدرهم بالنقد ولايقبلون تطاولا ولو كان سياسيا ، لأنهم تعودوا طوال حياتهم أنهم هم القادة يصدرون لمن حولهم الأوامر واجبة الطاعة، يدخلون أعظم وأخطر المناطق العسكرية فتهتز لهم أتخن الشنبات، لكن شبابنا رذل ولسانهم طويل ،وهم حاليا مسجونين، 6 إبريل وغيرهم، وسيظلون في قلبي وضميري مهما اتسجنوا هم أصحاب الفضل الأكبر في ثورة 25 يناير وهم الأحق بأغنية تسلم الأيادي!
ولن انساق مع الرائجة لأصدق فيهم تسجيلات يذيعها،بمباركة سيادية، من أباح لنفسه انتهاك حرمة الحياة الخاصة التي حماها الدستور الذي صوتنا عليه بنسبة 99% والنيابة ودن من طين وودن من عجين وتحاسب البشر حساب الملكين فقط على قانون التظاهر وإهانة القضا ،أي تناقض! لن أنساق مع حملات تشويههم الرهيبة على مدار الساعة، كله على جزمتي القديمة، ولن أصدق فيهم أنهم يتلقون تمويلا أجنبيا إلا إذا صدر ضدهم حكم قضائي نهائي مقنع، ولكنهم حتى الآن محبوسين على ذمة قانون التظاهر وفقط ، أي تناقض !
وعلى حبي الصادق لمشير مصر ، فلقد روعتني مقتلة رابعة العدوية، صرخت من أول يوم وكأني أصيح في قلب الصمت أن فض الاعتصام كان يجب أن يتم في ذات يوم إغلاق تلك القنوات المأفونة وقت أن كان المعتصمون يقدرون بالعشرات ، كان الفض ساعتها لن يستغرق سوى ربع ساعة تماما وبغير دم كفض اعتصام المطرية الذي حدث قبل شهر واحد ولايتذكره اليوم أحد، ولكنهم ترددوا ، سكتوا ، وأضاعوا الوقت في استرضاء الخواجات والخالة آشتون، وزياراتها للشاطر وكلام غريب ، وإن كان ولا بد، فقد كان يمكنهم أن يسترضوا الست بعد الفض لا قبله، إلى أن استفحل الأمر وتضخم العدد كنتيجة طبيعية ، واقتنعت أخيرا أن الوقت قد فات وأن الورم قد استفحل وأن الثمن سيكون فادحا وساعتها فقط حدث ما حدث، دم للركب، هرب قادة الاعتصام بدولاراتهم الأجنبية إلى الشقق والصحاري، وهرب المسلحون لينتشروا في الشوارع ، وكأبشع ما يكون مات الغلابة المخدوعين المحشورين بين ذلكم وهؤلاء والذين أتوا لنيل الشهادة فنالوها بالآلاف والحمد لله .
وأعود للتاريخ يا حمدين ، عبد الناصر الرجل العسكري الفذ استاذ الاستراتيجية عسكرية الذي قاد بنفسه معركة56 ضد ثلاث دول مرة واحدة ونجح في الانسحاب بالجيش المصري إلى بر الأمان ولحين صدور الإنذار الأمريكي، كان يكلم القادة الميدانيين ويصدر التعليمات لهم بنفسه فحافظ على الجيش كله ليخرج سليما مرفوع الرأس ، وفي 67 كانت دولة واحدة فقط ، المفعوصة اللي فيهم، لكنه لم يتصرف هذه المرة كقائد جيش، ولكن كرئيس جمهورية مبتعدا عن تخصصه، فأوكل الجيش لقائد لغيره اختاره ليضمن ولاءه رغم أن دستور مصر وقتها لم يكن يفرض عليه ذلك كدستورنا الحالي !!فلم يتدخل أو يقرب غرفة العمليات طوال اليوم الأول حتى يعطي للقادة الفرصة ،وعندما توجس قلبه أخيرا ذهب في اليوم الثاني، 6يونيو 1967 ليجد الكارثة في انتظاره.
هذا هو درس التاريخ الذي نسيته حارتنا ليصر جانب كبير من شعبنا للمرة ثانية بعد ثورة أنه لا يحتاج لرئيس ولكن لنبي مخلّص يمتلك عصا موسى ، ناسيا أن زمن الانبياء قد انتهى ولكنهم لا يدركون أنه وما أسهل أن يكرر التاريخ نفسه، استر يا رب.
ويظل مشير مصر هو معشوقها الأول يا حمدين، وما أنا باستثناء.
صوره في كل مكان، في الحارات وعلى الأعمدة في الشوارع وعلى علب الشيكولاتة في المحلات ولكن مشيرنا يتصرف وكأنه ضامن الشعب في جيبه، وأنا يرعبني الحاكم الذي يتصرف وكأنه ضامن الشعب في جيبه، الحاكم الذي لا يتكلم، فإن تكلم فلا فرن اشتغل ولا كحك انفتل!! ملايين واقفة على بابه تنتظر منه كلمة وهو لا يتكلم، ولا أظن أن هذا الأمر يعكس سوى نقصا في الخبرةالسياسية لرجل المخابرات الصامت.
تتكلم عنه الفضائيات على مدار الساعة لدرجة أني لم أعد أطيق سماعها وطبلها وزمرها ورقصها على واحدة ونص لتتحول البيانات حول إعلانه الترشح مسألة سمجة وصلت إلى حد المهزلة والمسخرة، وكأن الشعب كله ماسك وردة كبيرة يقطف أوراقها واحدة بعد الأخرى، حايترشح .. مش حايترشح، كل النخبة تقريبا قالت سيعلن بكرة، لأ بعد بكرة، هوا قال لي.. هوا ضحك لما سألوه يبقى حايترشح..الصحيفة الكويتية قالت أنه قال .. والقوات المسلحة تقول لأ مقالش! المجلس العسكري اجتمع وقال له اترشح .. لأ ده اداله تفويض فقط، لو يعني عايز يترشح ف براحته! إلحق يا جدع ! ده لابس بدلة مدنية يبقى حايترشح.. لا واللهي البدلة عادي لا تعني شيء…حايعلن بكرة..لأ التلات الجاي..لأ آخر الشهر!! وأحسب أن مشيرنا رجل المخابرات العسكرية يجب أن يخرج عن صمته ليقول للناس على الأقل في عصر الشفافية ما هي حساباته ولماذا يتأخر في اتخاذ القرار، عبد الناصر نفسه كان يفعل ذلك، ولكن الرجل بعيد لا ينطق تاركا الناس في حيص بيص ، واللهي عيب وما يجوزش يا مشيرنا الحبيب.
أما أنت يا حمدين،فإنك لم تفعل مثل باقي المرشحين وتنتظر حتى ينطق القائد من مكتبه الفاخر الذي يقف الجنود على بابه زنهار بكلمة ينتظرها الملايين إلى درجة الشحاتة ولا يقولها البتة، كان يكفيك أن تقف في قاعة مغلقة تمتليء عن آخرها بمؤيديك لكي تستجيب لطلبهم فورا لأنك لا تريد أن تخذل مجموعة آمنت بك مهما قل عددها ،بينما مشير مصر التي لا يقولها لمريديه الذين هم بعشرات الملايين، تقرر وعلى الفور النزول لميدان المعركة لتكون أول المرشحين وآخرهم حتى الآن، حتى ولو علمت أنك الطرف الأضعف، انبريت للتحدي بشهامة مصرية نقية وقت أن تراجع الآخرون لتدخل مع مشيرنا الصامت ساحة المعركة وحدك في انتظاره وأنت الأقل عددا وعدة، رأيتك قبل أشهر طويلة في مؤتمر شعبي تتعرض للهجوم، لكنك أبهرتني بأنك ظللت رابط الجأش تتصرف بخبرة سياسية عريضة لتحتوي الموقف وتطلب من الناس السكوت حتى يتمكن معارضوك من الكلام بكل حرية فكسبت احترام ذلكم وهؤلاء، وشعرت أنا بالاطمئنان على صبر الحاكم وحلمه وإيمانه الحقيقي بالديمقراطية، مش مجرد كلام.
أعرف تماما كيف أوذيت لسنوات مضت بما لا يحتمله بشر وعجيب حقا أنك لم تنكسر، أوذيت في نفسك، وفي ابنتك، وتحملت كما هائلا من الشتائم والإهانات والاتهامات ورغم ذلك بقيت على الأرض هنا ، في تراب مصر صلبا صابرا معجونا في طينها بحلوه ومره وسط الناس كأي فلاح مصري أصيل ابن الناس الغلابة،لم يفاجأوا ذات صباح أنك ركبت طائرة وطفشت على أوروبا أو لبنان أو غيرهما كما فعل غيرك، بقيت هنا ولم تفارق الابتسامة وجهك ،انفض مؤيدوك الكبار من حولك ، جبهة انقاذك انقسمت ،وأنت كما أنت لا تتغير ولاتتلون ولا تسيء لأحد ولا ينفذ صبرك ولا يعرف لسانك العيبة، طلبت ممن حولك أسبوعا للقرار فرفضوا فاستجبت على الفور وبكل رجولة واخترت المواجهة على قسوة ما سوف يمر بك لأنك رجل لا يخذل من آمنوا به ، استجبت وقت أن تثاقل الآخرون، نزلت ميدان المعركة وقت أن تراجع الآخرون لتكون ببساطة مصري جدع في زمن قل فيه الجدعان، دكر ،راجل، فلاح ابن فلاح ، أرجلك في الطين وليس على السجاد ،راجل ابن راجل وأنا تعجبني كثيرا هذه الخصال الشخصية فيمن أريد أن ائتمن مصر عليه يا حمدين، حتى ولو كانت فرصك هي الأقل، وموقفك هو الأضعف أراك في منتهى الجرأة والقوة ولو لم يكن حيلتك طيارة أو دبابة كمشيرنا ،ذراعك وبس ! وإذا كان كل هذا لم يمنعك من قبول التحدي، فهو وبكل قوة لن يمنعني أنا من أن أقف بجانبك ، الآن وفورا، وعلنا وعلى قمة جبل على رأسه نار وعلى رؤوس الأشهاد .
معذرة يا حمدين فأنا لا امتلك سوى صوتا واحدا ، معذرة لأني لا أستطيع أن أدور معك في كل مكان مثلما فعل رفاق الأمس الذين وقفوا بجانبك ثم انفضوا من حولك اليوم ولهم كل الاحترام ، ولكن فقط إعلم أن كتفي الضعيف اللي حيلتي في ظهرك بكل إيمان واقتناع، اسمع مني كلمة واحدة يا جدع ، حتى ولو شاء الله أن تحصل على صوت واحد فقط في الانتخابات الرئاسية القادمة، فاعلم أن هذا الصوت سوف يكون صوتي!
شاركنا رأيك وكن اول من يقوم بالتعليق :)[ 0 ]
إرسال تعليق