الفساد.. ذلك العدو اللدود ، القديم الحديث ، الذي يعيش متطفلا بيننا، يأكل أرزاقنا وقوت أطفالنا، ذلك الغول الجبان الذي لا يعمل إلا في الظلام ، يُعمل معاول الهدم في نظام حياتنا، والويل لنا إن خرج إلى النور, ذلك العدو العالمي غير المستورد مع أنه يعبر الحدود أحيانا.
الفساد.. ظاهرة اجتماعية وسياسية موجودة في كافة المجتمعات وعلى مر العصور بشكل نسبي ومتفاوت، فهو علاقة اجتماعية يتم من خلالها انتهاك قواعد العقد الاجتماعي والمبادئ والنظم القانونية المتعلقة بالمصلحة العامة مما يضر بها ، عن طريق سلوك طرق غير مشروعة للوصول إلى الأهداف الخاصة. إنه ظاهرة محلية عالمية ، قديمة حديثة ، تتشابه فيها الدول المتقدمة والنامية، وإن كان بنسب متفاوتة، لكنه يصعب أن تجد بينه وبين نسبة التقدم والديمقراطية علاقة محكمة، فتجده في الدول المتقدمة اقتصاديا والدول ذات الاقتصاد النامي، والدول الديمقراطية والدكتاتورية، والدول القديمة والحديثة، وتجده أيضا قويا طاغيا أو ضعيفا محدودا في كل من هذه وتلك. لكنه يمكن إيجاد علاقة رياضية متينة بين ضعفه وبين حسن
الأداء للأجهزة الحكومية والأنظمة المحاسبية والشفافية والقوانين المتينة وحرية الوصول للمعلومات، فلا فساد حيث الشفافية إن الفساد الذي يعمل في الظلام ينتفي حيث الشفافية التي تعني الوضوح والنور، وهو يضعف حيث الحكم الرشيد والديمقراطية.
فساد على الهواء…
الحكاية تعود إلى ما يقرب من الثمانية سنوات عندما دعى مجموعة من القضاة ألقوا على أنفسهم مسمى «تيار الإستقلال» لوقفة قضاة مصر يوم ٢٥ مايو ٢٠٠٦ لمقاومة توحش السلطة التنفيذية التي تفرض قوتها الغاشمة على السلطتين الأخرتين في الدولة، القضائية والتشريعية، لصالح أصحاب المراكز و مسيئي استغلال النفوذ، و تجهض أحلام شعب مصر في الحرية و الديمقراطية، واستمرارا لنضالهم منذ سنوات من أجل قانون جديد للسلطة القضائية يكفل استقلالها و يضمن حيادها وهو حق كل المصريين، ويكون دعامة حياة سياسية سليمة في مصر، و للحفاظ على كرامة المصريين وحقوقهم الإنسانية، ورفضا لمناورات الحكومة و مساوماتها لتكميم القضاء و الاستمرار في البطش بالمصريين.
وقتها كان المستشار «هشام جنينة» أحد هؤلاء الواقفون في الصف الأول على سلم دار القضاء العالي؛ وكان المستشار «أحمد الزند» في الصف الأول المعادي لهذا التيار وفكرته من الأساس، كما استغلت السلطة وقتها فريق الزند لمحاربة هذا التيار لسنوات قبل ثورة ٢٥ يناير.
هشام جنية.. رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات.. إستن سنة جديدة لم تكن موجودة من قبل، حيث عندما يقدم بلاغاً للنائب العام بتهمة فساد في أحد مؤسسات أو سلطات أو أجهزة أو موظفوا الدولة يعقد معها مؤتمراً صحفياً ليطلع به الرأي العام على البلاغ كي لا يكون مصيره هو الحفظ أو إرجاء التحقيق فيه لحين تسوية الفاسد لفساده كما كان يحدث قبل ثورة ٢٥ يناير.. وكان الأمر سيمر بسلام عليه لولا أن بدأ في كشف فساد السلطة القضائية ومن بينهم «أحمد الزند» ووزير العدل، ثم استمر في كشف فساد أمن الدولة والنيابة العامة وغيرها وصلت قيمته إلى ٣٦ مليار جنيه.
هنا أصبح هؤلاء في حرج شديد وربما إذا بلغت التحقيقات منتهاها سيواجهون تهمة الإستيلاء على المال العام.. فبدأوا باتهام رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات والذي كان قد عينه الرئيس المعزول «محمد مرسي» بأنه منتمي إلى تنظيم الإخوان المسلمين.. فلم يجني هذا الإتهام ثماره بعد أن قال له الرئيس عدلي منصور «طهر البلد من الفساد يا هشام».
كلنا فاسدون…
في حلقة أحمد الزند أمس مع أحمد موسى (هاااااااح) الذي أعلن مؤخراً على الهواء بالفخر والشرف لإنتمائه لنظام مبارك.. قرر الزند أن يوجه لهشام جنينة تهمة الفساد والإستيلاء على أراضي الدولة هو الأخر وبالمستندات.. ليتحول الصراع إلى حرب بين فساد نظامين سابقين أحدهما يريد أن يعود بقوة.. ثم يتساءل الزند «لماذا هذا الرجل ظل في موقعه؟ فكان يجب أن يرحل مع النظام الذي جاء به، وبرغم من أن القانون يحصنه أربعة سنوات إلا أن الشرعية الثورية فوق القانون ويجب أن يخرج الناس عليه كي يرحل».
لقد أصبح الفاسد كما ترى عزيزي المواطن المذهول مثلي على الهواء مباشرة ويتنابذ القضاه بالفساد بعضهم البعض، لنتيقن جيداً من أن مقولة زكريا عزمي «الفساد للركب» تبين كيف أن كل مسؤول في هذا البلد ممسوك من فساده، وأنهم أسرة واحدة مع بعضهم البعض.. لكنها كما ترى أسرة سيئة السمعة.
هكذا عزيزي القارئ يتبين لنا أن عجز السلطة منذ عقود طويلة عن محاسبة المفسدين في الماضي.. هو من حول الفساد الى ثقافة مجتمع.
شاركنا رأيك وكن اول من يقوم بالتعليق :)[ 0 ]
إرسال تعليق